ملف: مستقبل الديمقراطية
بعد الأحداث المصرية الأخيرة .. التجربة الديمقراطية العربية بين الرفض والقبول
- التفاصيل
- كتب بواسطة: د. صالح الطائي
مسيرة طويلة وخطيرة تلك التي قطعتها الدول الأوربية في صراعها التاريخي مع إثبات الذات كانت بدايتها مع بزوغ عصر النهضة الصناعية التي أمدت الجوانب الحياتية الأخرى بنوع من الدعم والمساندة أسهما في ولادة نهضات أخرى كانت من أبرز سماتها النهضة الفكرية التي أسهمت بدورها في تغيير قناعات المجتمعات وعلاقتها بنظم الحكم والسياسة والدين وأنماط الحياة فولدت منظومة الحريات المفتوحة التي بدأت تتلون تبعا لعلاقة المجتمع بالموروث، ومن خضم هذا الحراك الإنساني الكبير ولدت نظم الحكم الديمقراطية التي سمت بتلك المجتمعات إلى ذرى المجد الحضاري لدرجة أن المواطنين باتوا يشعرون أن كل ما يعيشون فيه من نعيم وتطور هو من ثمار الممارسات الديمقراطية، وهو ما دفعهم للتفكير جديا بتصدير هذا المفهوم إلى دول العالم الأخرى التي تعاني تسلط وإكراه دكتاتورية الأشخاص والأيديولوجيات.
وقد نتفق أو لا نتفق أن الديمقراطية كمفهوم وكممارسة غير قابلة للتصدير العشوائي لأنها بمضمونها لا تصلح للتطبيق إلا بعد بناء أسسها ابتداء بالثقافة المجتمعية والفردية مرورا بآليات التطبيق التي يجب أن تتواءم مع واقع حال الشعوب ووضعها الاجتماعي والاقتصادي والديني، مع وجود رغبة بتقبل هذا التغيير، ولذا لا يمكن للتصدير الشرعي أو للتدخل العسكري والإكراه القسري أن يفرض الديمقراطية على شعوب غير مؤهلة لتقبلها. يقول العالم الفرنسي (دروغايم): "إن أفكار الإنسان ليست حصيلة نشاطاته العقلية الخاصة به فقط ولكنها حصيلة البيئة الاجتماعية التي هو جزء منها أيضا"
وعن إيجابيتها أقول: ألا يشفع ما قدمته الديمقراطية من خير للشعوب الأخرى ليجعلها الخيار الأمثل والأسلم لحل مشاكلنا؟ ألم تحقق الديمقراطية الغربية كل الانفتاح الذي يعيشه الغرب؟ فلماذا نلجأ إلى الساحات والميادين لتغيير الدكتاتوريات بدل أن ننفتح على أسس الديمقراطية فنتعامل معها وبها؟ وهل معنى ذلك أننا بحاجة إلى استيرادها من الآخرين؟
نحن كشعوب لا زالت تبحث عن ذاتها بعد أن عاشت جل تاريخها في خضوع تام للدكتاتورية السياسية والدينية والفكرية والعشائرية قد نبدو غير مؤهلين لاستيراد الديمقراطية أو فرضها قسرا وكرها، ولكن تراكم المآسي التاريخية وحالات الاستلاب التي عانينا منها عبر التاريخ قد تؤهلنا بالمقابل لتقبلها بأي شكل كان حتى ولو بالقوة والإكراه عسى أن تتغير حالنا وتتطور مجتمعاتنا تبعا لفكرة (آخر العلاج الكي)
أما عن سلبياتها، فأقول: إن عجز الديمقراطية عن تحقيق العدالة المطلقة عن طريق صناديق الاقتراع قد يخلق بين الناس وبينها حاجزا سميكا يعزل بين الاثنين ربما بسبب المآسي والجرائم التي ارتكبت باسم الديمقراطية، ألم تأتي ديمقراطية صناديق الاقتراع بأدلف هتلر ليحكم ألمانيا ثم ليقود العالم إلى شفير الهاوية والفناء؟ ألم تتدخل قوات الدول العظمي لقتل الرئيس التشيلي المنتخب ديمقراطيا عبر صناديق الاقتراع سلفادور ألندي، الم يتحرك العسكر الجزائري لطرد الإسلاميين من جماعة عباسي مدني الذين أوصلتهم صناديق الاقتراع إلى الحكم؟ ألم تنشق المقاومة الفلسطينية إلى معسكرين بعد أن أوصلت صناديق الاقتراع التنظيم الإسلامي برئاسة إسماعيل هنيه إلى منصب رئاسة الوزراء؟ ألم يتحول العراق إلى ساحة حرب أهلية حقيقية بسبب تداعيات الديمقراطية؟ ألم تتعرض مصر إلى حراك عنفي ممكن أن يقودها إلى حرب أهلية بالرغم من أن صناديق الاقتراع هي التي اوصلت مرسي إلى سدة الحكم؟
والآن، أنت المثقف العربي الواعي أين مكانك في هذا الحراك؟ أين تريد أن تكون؟ أين تريد أن تقف؟ كيف تريد أن تتحرك وفي أي اتجاه؟ هل ترفض أم تؤيد؟ هل تسكت أم تجابه؟ هل تستخدم العقل والفكر أم المدفع والمفخخات؟ هل تقبل بالتغيير أم تعارض؟ هل لديك خيارات أخرى؟ هل تملك آليات ممكن من خلالها تجاوز سلبيات الديمقراطية؟ هل لديك آليات ممكن من خلالها وقف زحف الديمقراطية؟ وهل تنظر إلى الربيع العربي على انه الخيار الأوحد لنشر الديمقراطية في الوطن العربي بعد أن عجزت الخيارات الأخرى، أم انك تنظر إليه كنمط جديد من أنماط الدكتاتورية؟
تكلم، قل ما شئت، إن الكلام واحد من الآليات المهمة في السيرورة والبناء. وقد قال الصهيوني (تيودور هرتزل): "كل ما يهمني هو أن تتكلم، حتى لو تكلمت ضد الصهيونية .. لكن لا تصمت إزاء الموضوع .. الحديث عن الشيء ولو بتفاهة يعرضه على أنظار الناس."
الآن بعد أن فشلت المشاريع الأخرى أو تعرقلت بات لزاما على الطليعة الواعية من أمتنا، من المفكرين والأدباء والباحثين والفنانين أن يستلموا المبادرة من خلال حوار مثمر غايته الخروج بنتائج نهائية يُتفق عليها لتتحول إلى ورقة عمل وترفع إلى كل الأطراف المعنية باعتبار أنها تمثل خلاصة رؤى المجتمعات العربية بشأن إقرار أو رفض الديمقراطية.
مساحة الحوار مفتوحة أمامك، وصوتك مسموع، ورأيك يؤخذ به، لا تتقيد بمساحة ولا تلتزم بعدد كلمات، قل كل ما عندك دون أن تجرح الآخرين، ودع الآخرين يقولون رأيهم، ناقش وتحرى ودقق وتفحص ولا تترك الملعب إلا بعد أن تقتنع كليا، فمن العيب أن نرضى بأنصاف الحلول.
سيبقى الباب مفتوحا لاستقبال مشاركاتكم بالملف مع التقدير.
صالح الطائي
صحيفة المثقف
7-7-2013
للاطلاع على ورقة الملف والمحاور المقترحة:
المثقف تفتح ملف: هزيمة الإسلام السياسي أم هزيمة الديمقراطية؟
للاطلاع على مقالات الملف
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.